هم 10 أخبار طبية كبرى في عام 2009
بينما كنا نعكف على إعداد قائمة بأكبر 10 أخبار صحية، كانت حالة التشوش أو
«اللاتعيين» هي السائدة.. إذ إننا كنا، ونحن في بداية موسم الإنفلونزا
الموسمية، لا نزال لا نعرف بالتأكيد ما إذا كانت إنفلونزا «إتش1 إن1»
الوبائية ستظل تحت السيطرة بعد اتخاذ الاحتياطات الصحية الجارية، أم إنها
ستنطلق انطلاقة غير متوقعة.
ثم وغير ذلك من الأخبار؛ ماذا سيكون الحال بخصوص المناقشات الجارية لمدة
سنة الآن، حول إصلاح نظام الرعاية الصحية (الأميركي)، وهل سيؤدي إلى نتيجة
ملموسة أم سيتلاشى مثل أي فقاعة سياسية بسبب تجاذب الأطراف المتنازعة؟
وعلى الصعيد الطبي، فإنه حتى إن بدا أن تجربة إكلينيكية عشوائية كبرى قد
وضعت الأمور في نصابها، فإن من الصعب التفكير في كيفية تطبيق نتائجها
بالضبط.
فقد أظهرت نتائج دراسة كبيرة على مرضى غرف الإنعاش في المستشفيات أن الضبط
الصارم لمستويات سكر الدم، هي عملية سيئة (انظر الفقرة السابعة من
القائمة). إلا أن تحديد المستوى الصحيح للتحكم بسكر الدم ـ لا يزال في
انتظار دراسات لاحقة.
كما أن دراسة «JUPITER» قد تدخلنا إلى عصر جديد لدرء حدوث أمراض القلب
والأوعية الدموية، وذلك بالتركيز على دراسة الالتهابات وبروتين «سي ـ
رياكتيف» (الفقرة 8 في القائمة).
1 ـ لا ذعر من الوباء: بعد
الأسابيع الأولى من التشوش، أخذت الأنباء بخصوص إنفلونزا «2009 إتش 1 إن
1» المسماة «إنفلونزا الخنازير»، تبدو أكثر تفاؤلا. ويرجع ذلك في الغالب
إلى طبيعة فيروس «إتش1 إن1» نفسه، الذي ينتشر بسهولة وينقل العدوى إلى
الإنسان، وأن هذه العدوى حتى الآن ليست بالشكل الذي يهدد الحياة.
كما ظلت كلمة «الوباء» أو «الجائحة» ملتبسة الفهم؛ إذ إن المرض يعتبر وباء
أو جائحة إن انتشر عالميا، وإن كان يصيب نسبة من السكان أكثر من المعتاد.
إلا أن هذا المرض لا يحتاج أن يكون شديدا كي يعتبر من الأوبئة. وكان
المصدر الأساسي للهدوء بشأن الوباء، هو استجابة السلطات الصحية له. فقد
نشر كثير من المعلومات عن الوباء (وهو أول وباء في عصر الإنترنت).
كما طورت لقاحات له تم إنتاجها، على الرغم من أن قلة أعدادها المتوفرة، تثير القلق.
وقدم المسؤولون الصحيون معلومات محددة ومبسطة لما يجب علينا فعله لحماية
أنفسنا والآخرين: اعطس واسعل في كم قميصك، اغسل يديك مرارا وتكرارا، طعم
نفسك بلقاحي الإنفلونزا الموسمية وإنفلونزا «إتش1 إن1»، ابقَ في منزلك إن
شعرت بالمرض.
ولم يكن المختصون يتوقعون أن يكون وباء الإنفلونزا بهذا الشكل. فقد كانوا
ولعدد من السنين يتأهبون لاحتمال تحور فيروس إنفلونزا الطيور «إتش5 إن1»
الذي كان منتشرا في آسيا، واحتمال انتشاره بين البشر.
وبدلا من ذلك ظهر فيروس «إتش1 إن1» في المكسيك متكونا من أربعة عناصر:
سلالتان من إنفلونزا الخنازير، وسلالة بشرية، وسلالة من الطيور. وكانت
أعداد التنويم في المستشفى والوفيات بسبب هذا الفيروس بين أوساط البالغين
الشباب عالية، بينما كانت قليلة بين الأشخاص من أعمار 60 سنة فأكثر.
أحد التفسيرات لهذا النسق من الإصابات هو أن الأشخاص الكبار في السن ربما
كانوا يتمتعون ببعض المناعة نتيجة تعرضهم لنسخة سابقة من «إتش1 إن1».
إلا أن أمامنا أشهرا من موسم الإنفلونزا، وقد يحدث فيها كثير من المشكلات،
ففيروسات الإنفلونزا معدية وقد تتسبب في أمراض شديدة في ظروف الأجواء
الباردة الجافة. كما أن بمقدورها التحور.
ومع ذلك، فإن المؤشرات المبكرة تشير إلى إمكانية السيطرة على الوباء.
وكما هو متوقع فإن معدلات الإصابة بالإنفلونزا في نصف الكرة الأرضية
الجنوبي قد عادت إلى طبيعتها في الخريف، ومؤخرا لم يتعد عدد الوفيات حول
العالم 5000 شخص (حين صدور هذا الموضوع في نهاية نوفمبر ـ تشرين الثاني ـ
الماضي)، وهو رقم ضئيل.
2 ـ إصلاح الرعاية الصحية: إصلاح نظام الرعاية الصحية الأميركي، أحد أخبار هذا العام الصحية.
وهو يهدف، فيما يهدف، إلى تقليص عدد الأميركيين الذين لا يتمتعون بأية بوليصة تأمين صحية، البالغ عددهم 46 مليونا.
3 ـ شحوم جيدة وسيئة: المنازل الفاخرة تتحدد بمواقعها. وقد ينطبق الأمر نفسه في الواقع على شحوم الجسم، كما أن لون تلك الشحوم يلعب دوره أيضا.
إن شحوم الأحشاء visceral fat ـ التي توجد في منطقة وسط الجسم، أي البطن ـ
تؤدي إلى حدوث عوامل تحفز على ظهور الالتهابات واضطراب الهرمونات.
وبالمقارنة معها، فإن شحوم ما تحت الجلد subcutaneous fat تكون أخف منها من حيث تأثيراتها على التمثيل الغذائي.
وقد أشارت نتائج علمية نشرت عام 2009 إلى شحوم الأحشاء بوصفها مصدرا للمشكلات الصحية.
وأعادت دراسة فرمنجهام للقلب، مخزونات شحوم ما تحت الجلد إلى منزلتها، فقد
أفاد الباحثون فيها على سبيل المثال بأن شحوم الأحشاء وليس شحوم ما تحت
الجلد، هي التي ترتبط بتراكم كميات من الكالسيوم ـ وهو أحد مؤشرات حدوث
تصلب الشرايين ـ في الشريان الرئيسي في الجسم: الشريان الأورطي.
إن الخلايا الدهنية البيضاء تختزن الدهون، وغالبية الدهون المختزنة في جسم
الإنسان ـ سواء في شحوم الأحشاء أو شحوم ما تحت الجلد ـ هي من الدهون
البيضاء.
إلا أن هناك أيضا الخلايا الدهنية البنّية التي تقوم في الواقع بحرق الدهون.
ويملك المواليد الجدد هذه الدهون البنية لمساعدتهم في تنظيم حرارة الجسم،
وكان الاعتقاد السائد أن تلك الدهون تختفي بسرعة، إلا أن ثلاثا من
الدراسات المدهشة التي نشرت في مجلة «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن»
واستخدمت فيها تقنيات التصوير بحزم (أشعة) البوزيترون، أشارت إلى وجود
كميات من الشحوم البنية لدى البالغين في منطقة تمتد من الكتفين إلى
الدفتين.
كما أظهرت أنه كلما كانت كمية هذه الشحوم لدى أي شخص أكثر، كان رشيقا أكثر ولديه مؤشرات على أيض (تمثيل غذائي) صحي.
ويعكف الباحثون حاليا على دراسة كيفية زيادة الخلايا الدهنية البنية، ووسائل تنشيطها.
وتؤدي النتائج حول شحوم الأحشاء إلى تحويل الاهتمام نحو قياس طول الخصر لدى الإنسان بوصفه مقياسا للسمنة.
وهذا ليس بالأمر البسيط، إذ إن شحوم ما تحت الجلد تسهم أيضا في زيادة طول الخصر، خاصة لدى النساء.
ومع هذا تزداد التوجهات لتقييم نظام الحمية الغذائية والعادات الأخرى المتبعة لخفض الوزن، انطلاقا من تأثيراتها على طول الخصر.
4 ـ كبح علاقة الأطباء بالشركات: الشركات ـ خاصة المنتجة للأدوية ـ تنفق مليارات الدولارات سنويا للترويج والدعاية لمنتجاتها بين الأطباء.
وفي عام 2009 صدرت ضوابط وتنظيمات جديدة بهدف تقليل عدد الهدايا المتدفقة على الأطباء، ودعوات الغداء، والنفقات الأخرى.
وجاءت هذه الضوابط استجابة للانتقادات المتواترة حول تضارب المصالح.
وغالبا ما يحدث أن تقود العلاقة بين الطبيب والشركات إلى تلويث العلاقة بين الطبيب ومرضاه.
وتحظر المستشفيات التعليمية الكبرى، ومثلها المؤسسات الصحية التابعة
لجامعة هارفارد، على العاملين فيها قبول الهدايا أو دعوات الغداء أو
المشاركة في مجالس الخطابة.
وتقوم مؤسسات أخرى بوضع الضوابط نفسها، التي ينتظر أن تدخل في لائحة إصلاح نظام الرعاية الصحية في صيغتها النهائية.
وفيما يعتبر تمويل الشركات مهما للأبحاث الطبية.
إلا أنه يجب أن يتسم بالشفافية، وأن يكون معروفا ومكشوفا لجميع الأطراف.
5 ـ بديل لدواء «وارفرين»:
الملايين من الناس يعتمدون على دواء «وارفرين» warfarin («كاومادين»
Coumadin)، خصوصا منهم المصابين بالرجفان (الاختلاج) الأذيني atrial
fibrillation وهو اضطراب شائع في إيقاع القلب.
ويمنع هذا العقار فيتامين «كيه» K، وبهذا فإنه يخفض من خطر حدوث خثرات
الدم، ويقود أيضا إلى تقليل احتمالات حدوث السكتة الدماغية والأمراض
الأخرى المهددة للحياة.
إلا أن مفعول «وارفرين» يتداخل مع عمل عشرات من الأدوية والأعشاب
والأغذية، ولذا فإن تناوله يتطلب إجراء العديد من تحاليل الدم للتأكد من
أن تخثر الدم يجري في نطاق آمن.
وقد تقبل المرضى والأطباء هذه النقائص لانتفاء وجود بديل جيد له. لكن عام
2009 شهد قدوم البديل. فدواء «دابيجاتران» dabigatran الذي تمت إجازته في
أوروبا لاستعمالات محدودة، يؤثر مباشرة على «الثرومبين» thrombin وهو أحد
العناصر الرئيسية التي تلعب دورها في تشكيل خثرات الدم.
ولهذا فلا توجد حاجة إلى مراقبة الدم وتحليله.
كما أنه وبسبب الطريقة التي يتم فيها امتصاص الدواء، فإنه لا توجد أي تداخلات مثيرة للقلق لمفعوله.
وقد نظمت دراسة كبرى رعتها الشركات المعنية (شملت 18 ألفا من المصابين
بالرجفان الأذيني في 44 دولة) قبل عدة أعوام بهدف اختبار جرعتين مختلفتين
من دواء «دابيجاتران» (110 مليغرامات و150 مليغراما) ومقارنتها بجرعة دواء
«وارفرين»، وأظهرت النتائج تكافؤ الأول مع الثاني.
وفي الجرعة الأصغر كان الدواء فعالا أيضا في درء السكتة الدماغية، كما سبب عددا أقل من حالات النزف، مقارنة بدواء «وارفرين».
أما الجرعة الأكبر فقد كانت أكثر فاعلية من «وارفرين» في درء السكتة الدماغية، وتسببت في عدد حالات النزف نفسها.
إلا أن الأنباء لم تكن طيبة كلها؛ فالنوبات القلبية والأعراض الجانبية في
الجهاز الهضمي كانت أكثر شيوعا لدى متناولي «دابيغاتران» مقارنة بمتناولي
«وارفرين».
ويتوقع أن تقوم إدارة الغذاء والدواء الأميركية بإجازة «دابيغاتران» عام
2010، إلا أنه سيكون أكثر تكلفة من «وارفرين»، لكن تحاليل الدم لن تكون
مطلوبة، وبذا تقل النفقات عليها. ومع ذلك فقد يكون من الأفضل للأشخاص
الذين لا يحتاجون لإجراء تحاليل الدم بشكل متكرر، الاستمرار في تناول
«وارفرين».
إلا أن سهولة وفاعلية «دابيغاتران» سيمثلان، على الأكثر، أهم مزاياه لكثير من المرضى.
6 ـ «صغائر عظمى»: إن «آر إن
إيه» المراسل RNA messenger، يقرأ الحمض النووي المنقوص الأكسجين «دي إن
إيه» DNA في جينات الإنسان، ثم يوظف رموزها في تشكيل البروتينات، وهي
أحجار الأساس لكل أشكال الحياة.
وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي اكتشف الباحثون أجزاء صغيرة من حمض
«آر إن إيه» ـ حمض «آر إن إيه» RNA هو أحد الأحماض النووية ـ التي تعرف
الآن باسم «آر إن إيه الميكروي» microRNA. وتلتحق هذه الأجزاء بالمراسل
وتقوم بتعطيله. وبهذا لا يمكن صنع البروتينات.
ويلعب «آر إن إيه الميكروي» دورا مهما الآن في مساعدة أطباء علاج السرطان
في وضع تشخيصات وتصورات أكثر دقة، وبالتالي اختيار علاج أكثر فاعلية.
وعلى سبيل المثال أفاد باحثون عام 2009 بأن المصابين بسرطان الكبد الذين
وجدت لديهم أورام فيها مستويات أقل من نوع معين من «آر إن إيه الميكروي»
يسمى miR ـ 26 تكون التوقعات لديهم أسوأ بكثير من غيرهم، إلا أنهم
يستجيبون بشكل أفضل لنوع واحد من العلاج.
كما قدمت أبحاث أخرى نتائج واعدة لعلاج حالات الضمور البقعي في العين
macular degeneration، وعدوى فيروس الجهاز التنفسي المخلوي respiratory
syncytial virus على الإنسان، إضافة إلى نجاح توظيف «آر إن إيه الميكروي»
على الفئران.
وأظهرت دراسة على الفئران أن تجهيز خلايا الكبد السرطانية بـmiR ـ 26 أدت إلى قيامها بعملها كما لو كانت خلايا طبيعية.
وأظهرت دراسة أخرى على الفئران أن إرسال «آر إن إيه الميكروي» من نوع آخر
نحو خلايا الثدي السرطانية منعها من الانتشار نحو أجزاء الجسم الأخرى.
وبالمقارنة مع الأدوية، فإن إنتاج «آر إن إيه الميكروي» سهل ورخيص.
وبالنسبة للسرطان فإن هذا سيعني أن العلاج سيكون موجها لمكافحة جذور
المرض، أي الجينات المتحورة التي تنتج بروتينات منفلتة.
كما أن الباحثين يبنون الآمال على أن العلاجات الطبية بـ«آر أن إيه
الميكروي» ستؤدي إلى توجيهه الدقيق نحو المنطقة المتضررة بحيث لا تتأثر به
إلا الخلايا المريضة.
إلا أن هناك مزيجا من التشاؤم في وسط جو التفاؤل هذا، فأبحاث «آر إن إيه
الميكروي» لا تزال في بداياتها ويلزمها وقت طويل قبل أن تنضج لتتحول إلى
علاجات سريرية.
كما أن السموم يمكن أن تكون عقبة كبرى أمام العلاج بـ«آر إن إيه
الميكروي»، وذلك إن حدث وتداخل «آر إن إيه الميكروي» بالصدفة مع عمل «آر
إن إيه» المراسل، في زمن أو موضع يجب ألا يتداخل معه.
7 ـ مستويات سكر الدم:
مستويات سكر الدم العالية ليست مشكلة للمصابين بمرض السكري وحدهم. فارتفاع
مستوى سكر الدم يرتبط بأسوأ الحالات للمصابين بالنوبات القلبية والسكتات
الدماغية، وفي الواقع أيضا لمختلف أنواع المرضى في المستشفيات.
وقد نشر باحثون بلجيكيون قبل عدة أعوام نتائج دراسات أظهرت أن أكثر المرضى
مرضًا ـ المرضى الموجودون في غرف الإنعاش في المستشفيات ـ كانوا أفضل حالا
إذا كانت مستويات سكر الدم قد ضبطت لديهم بشكل صارم.
وأحدثت تلك الدراسة تأثيرا قويا جزئيا، لأنها كانت تتطابق مع الحكمة السائدة حول مشكلة السكر في الدم.
ولذا فقد تمت مراجعة الإرشادات، وبهذا أصبح الضبط الصارم لسكر الدم مع حقن
الأنسولين في الوريد من أولويات العمل في غرف الإنعاش في كل أنحاء البلاد.
إلا أنه يبدو الآن أن من الواجب مراجعة تلك الإرشادات مرة أخرى. فقد أظهرت
دراسة عشوائية كبرى (أطلق عليها اسم محبب هو «تجربة السكر ـ اللطيف» NICE
ـ SUGAR trial) أن معدل الوفيات للمرضى الذين خضعوا لضبط صارم لسكر الدم،
كان أعلى من معدل وفيات المرضى الذين تم ضبط مستويات سكر الدم لديهم
تقليديا.
وبلغ الفرق بين هذين المعدلين 2.6 في المائة (27.5 في المائة مقابل 24.9
في المائة)، وعلى الرغم من أنه لا يبدو كبيرا، فإن عدد المتوفين الكلي كان
كبيرا نظرا لأعداد المرضى الكثيرة.
ولا تحوم الشكوك حول الحكمة من الضبط الصارم لمستوى سكر الدم بين مرضى غرف
الإنعاش فقط، فقد افترضت قائمة 10 أخبار صحية كبرى لعام 2008، أن الأشخاص
المصابين بالسكري قد يتعرضون للضرر، بدلا من المساعدة، عندما يطلب منهم
تحقيق أهداف طموحة جدا لتنظيم سكر الدم (تحقيق هدف HbA1c أقل من 6 في
المائة)، وهو اختبار الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي glycosylated hemoglobin
الذي يرمز له أحيانا بـ«Hemoglobin A1c».
إن الصرامة الزائدة في ضبط مستوى السكر في الدم داخل غرفة الإنعاش ربما تكون ضارة لعدد من الأسباب.
فالمستويات المتدنية تؤدي إلى حوادث لهبوط حاد في سكر الدم، أو إلى نقص
خطير في سكر الدم الذي سيقود إلى أحداث متتالية تؤدي إلى الموت.
كما أن الأنسولين الذي يوظف لتقليل سكر الدم له تأثيرات سلبية. وضبط سكر
الدم لا يقود إلى اختفاء السكر، فهو يذهب إلى الخلايا. وزيادة السكر فيها
قد يؤدي إلى اضطراب وظائفها العادية مما يؤثر على القلب والأعضاء الحيوية
الأخرى في الجسم.
والأطباء لن يتخلوا تماما عن سبل ضبط مستوى سكر الدم لدى المرضى في غرف
الإنعاش، إلا أنهم يدققون الآن في الوصول إلى «منطقة حلوة» تقع بين الضبط
الصارم وبين الضبط المرتخي للسكر.
8 ـ دخول «سي ـ رياكتيف» : في
وقت متأخر من عام 2008 أظهرت تجارب «JUPITER» التي مولتها الشركات أن
الأشخاص الذين يوجد لديهم مستويات اعتيادية من الكولسترول منخفض الكثافة
(الضار) LDL (أقل من 130 مليغراما/ ديسيلتر) ولكن لديهم مستويات مرتفعة من
«بروتين سي ـ رياكتيف» C ـ reactive protein ((CRP ـ (2 ملغم/دل أو أكثر)
ـ يمكنهم خفض خطر تعرضهم لنوبة قلبية إلى النصف بتناولهم لجرعة عالية (20
ملغم) من دواء قوي من أدوية الستاتين وهو «روزفاستاتين» rosuvastatin
(«كريستور» Crestor).
إن «بروتين سي ـ رياكتيف» هو مادة كيميائية توجد في الدم وتعتبر مؤشرا
جيدا على وجود الالتهاب. أما أدوية الستاتين فيتم تناولها أساسا لخفض
مستويات الكولسترول منخفض الكثافة LDL (الضار)، إلا أن نتيجة التجارب كانت
برهانا على أن هذه الأدوية تقوم أيضا بتخفيف الالتهابات.
وأدى نشر نتائج الجولة الأولى من تجارب «JUPITER» إلى ضجة كبرى، إلا أنها
فسحت المجال أيضا أمام إجراء مناقشات حول الكيفية التي ستقوم بها اختبارات
«بروتين سي ـ رياكتيف» ووسائل تقليل مستوياته، في عمليات الرعاية الصحية
لمرضى القلب والأوعية الدموية.
وقد ساعدت التحليلات الإضافية لتجارب «JUPITER» التي نشرت في مجلة
«لانسيت» في توضيح الأمور، فقد ظهر أن المشاركين في الدراسة الذين وصل
الكولسترول منخفض الكثافة لديهم إلى أقل مستوياته (أقل من 70 ملغم/دل) قد
قللوا من خطر التعرض إلى «حوادث» القلب والأوعية الدموية (النوبة القلبية،
والسكتة الدماغية، وما شابههما) بنسبة 55 في المائة.
إلا أن المشاركين الآخرين الذين كان هذا الكولسترول لديهم أقل من 70
ملغم/دل وكان مستوى «بروتين سي ـ رياكتيف» أقل من 2 ملغم/دل، قللوا من
«حوادث» القلب والأوعية الدموية بنسبة 65 في المائة، كما أن الذين خفضوا
«بروتين سي ـ رياكتيف» إلى مستوى يقل عن 1 ملغم/دل قللوا تلك «الحوادث»
بنسبة 79 في المائة.
وتضيف نتائج تجارب «JUPITER» أدلة إلى الدلائل التي أشارت إلى أن أمراض القلب والأوعية الدموية ناجمة في الأساس عن الالتهابات.
وعلى الرغم من أن الإرشادات الرسمية الخاصة بمستويات الكولسترول المنخفض
الكثافة LDL لم تتغير، فإن كثيرا من الأطباء يتوجهون لطلب إجراء اختبار
لمستوى «بروتين سي ـ رياكتيف» لمرضاهم حتى ولو كانت مستويات الكولسترول
الضار لديهم اعتيادية.
وإن أظهرت الاختبارات أن مستوى «بروتين سي ـ رياكتيف» عال، فإن بمقدورهم منح مرضاهم وصفة من أدوية الستاتين القوية.
9 ـ فحوصات رصد السرطان: ظهرت شكوك جديدة حول الحكمة من إجراء فحوصات الرصد الأولية التي تجرى حاليا لرصد سرطانات الثدي والبروستاتا.
وقد توصل تحليل استفزازي نشر في المجلة الطبية الأميركية إلى استنتاج
مفاده أن التصوير الشعاعي للثدي (الماموجرافي mammography) لرصد السرطان
فيه وفحوصات اختبار «مولد المضادات الخاص بالبروستاتا» prostate ـ
specific antigen (PSA) لرصد السرطان فيها، على مدى الـ20 سنة الماضية قد
أدت إلى رصد وعلاج الكثير من حالات السرطان التي كانت ذات مخاطر صغيرة،
وفي الوقت نفسه لم تنجح إلا في تحقيق خفض ضئيل في أعداد الحالات السرطانية
المتقدمة.
كما كانت نتائج دراستين أخريين نشرتا مطلع هذا العام، ملتبسة أيضا.
إن منطق فحوصات الرصد الأولي للسرطان واضح؛ اكشفه مبكرا عندما يكون أكثر تقبلا للعلاج.
وتظل جمعية السرطان الأميركية مصرة على توصياتها: على النساء في سن
الأربعين فأكثر، الخضوع لفحص شعاعي للثدي سنويا، كما أن على الرجال مناقشة
مزايا ونقائص فحوصات البروستاتا مع الأطباء.
10 ـ عدوى السمنة: تشير جملة
من الدراسات إلى أن أحد أسباب ازدياد الوزن، إضافة إلى حدوث مشكلات صحية
أخرى، يرتبط بالسلوك «المعدي» من قبل الآخرين، أي إنه له بعد اجتماعي.
وتضم الشبكة الاجتماعية أخطبوطا من العلاقات تشمل الأقارب والأصدقاء
وأقاربهم وأصدقاءهم.
وقد أظهرت دراسة أجراها نيكولاس كريستاكيس الباحث بجامعة هارفارد وجيمس
فاولر الباحث بجامعة كاليفورنيا أن السعادة تنتشر عبر العلاقات
الاجتماعية.
كما أظهرت دراسة لهما حول السمنة أن الصديق السمين لصديقك، مثلا، قد يزيد من احتمال تحولك إلى شخص سمين!
بينما كنا نعكف على إعداد قائمة بأكبر 10 أخبار صحية، كانت حالة التشوش أو
«اللاتعيين» هي السائدة.. إذ إننا كنا، ونحن في بداية موسم الإنفلونزا
الموسمية، لا نزال لا نعرف بالتأكيد ما إذا كانت إنفلونزا «إتش1 إن1»
الوبائية ستظل تحت السيطرة بعد اتخاذ الاحتياطات الصحية الجارية، أم إنها
ستنطلق انطلاقة غير متوقعة.
ثم وغير ذلك من الأخبار؛ ماذا سيكون الحال بخصوص المناقشات الجارية لمدة
سنة الآن، حول إصلاح نظام الرعاية الصحية (الأميركي)، وهل سيؤدي إلى نتيجة
ملموسة أم سيتلاشى مثل أي فقاعة سياسية بسبب تجاذب الأطراف المتنازعة؟
وعلى الصعيد الطبي، فإنه حتى إن بدا أن تجربة إكلينيكية عشوائية كبرى قد
وضعت الأمور في نصابها، فإن من الصعب التفكير في كيفية تطبيق نتائجها
بالضبط.
فقد أظهرت نتائج دراسة كبيرة على مرضى غرف الإنعاش في المستشفيات أن الضبط
الصارم لمستويات سكر الدم، هي عملية سيئة (انظر الفقرة السابعة من
القائمة). إلا أن تحديد المستوى الصحيح للتحكم بسكر الدم ـ لا يزال في
انتظار دراسات لاحقة.
كما أن دراسة «JUPITER» قد تدخلنا إلى عصر جديد لدرء حدوث أمراض القلب
والأوعية الدموية، وذلك بالتركيز على دراسة الالتهابات وبروتين «سي ـ
رياكتيف» (الفقرة 8 في القائمة).
1 ـ لا ذعر من الوباء: بعد
الأسابيع الأولى من التشوش، أخذت الأنباء بخصوص إنفلونزا «2009 إتش 1 إن
1» المسماة «إنفلونزا الخنازير»، تبدو أكثر تفاؤلا. ويرجع ذلك في الغالب
إلى طبيعة فيروس «إتش1 إن1» نفسه، الذي ينتشر بسهولة وينقل العدوى إلى
الإنسان، وأن هذه العدوى حتى الآن ليست بالشكل الذي يهدد الحياة.
كما ظلت كلمة «الوباء» أو «الجائحة» ملتبسة الفهم؛ إذ إن المرض يعتبر وباء
أو جائحة إن انتشر عالميا، وإن كان يصيب نسبة من السكان أكثر من المعتاد.
إلا أن هذا المرض لا يحتاج أن يكون شديدا كي يعتبر من الأوبئة. وكان
المصدر الأساسي للهدوء بشأن الوباء، هو استجابة السلطات الصحية له. فقد
نشر كثير من المعلومات عن الوباء (وهو أول وباء في عصر الإنترنت).
كما طورت لقاحات له تم إنتاجها، على الرغم من أن قلة أعدادها المتوفرة، تثير القلق.
وقدم المسؤولون الصحيون معلومات محددة ومبسطة لما يجب علينا فعله لحماية
أنفسنا والآخرين: اعطس واسعل في كم قميصك، اغسل يديك مرارا وتكرارا، طعم
نفسك بلقاحي الإنفلونزا الموسمية وإنفلونزا «إتش1 إن1»، ابقَ في منزلك إن
شعرت بالمرض.
ولم يكن المختصون يتوقعون أن يكون وباء الإنفلونزا بهذا الشكل. فقد كانوا
ولعدد من السنين يتأهبون لاحتمال تحور فيروس إنفلونزا الطيور «إتش5 إن1»
الذي كان منتشرا في آسيا، واحتمال انتشاره بين البشر.
وبدلا من ذلك ظهر فيروس «إتش1 إن1» في المكسيك متكونا من أربعة عناصر:
سلالتان من إنفلونزا الخنازير، وسلالة بشرية، وسلالة من الطيور. وكانت
أعداد التنويم في المستشفى والوفيات بسبب هذا الفيروس بين أوساط البالغين
الشباب عالية، بينما كانت قليلة بين الأشخاص من أعمار 60 سنة فأكثر.
أحد التفسيرات لهذا النسق من الإصابات هو أن الأشخاص الكبار في السن ربما
كانوا يتمتعون ببعض المناعة نتيجة تعرضهم لنسخة سابقة من «إتش1 إن1».
إلا أن أمامنا أشهرا من موسم الإنفلونزا، وقد يحدث فيها كثير من المشكلات،
ففيروسات الإنفلونزا معدية وقد تتسبب في أمراض شديدة في ظروف الأجواء
الباردة الجافة. كما أن بمقدورها التحور.
ومع ذلك، فإن المؤشرات المبكرة تشير إلى إمكانية السيطرة على الوباء.
وكما هو متوقع فإن معدلات الإصابة بالإنفلونزا في نصف الكرة الأرضية
الجنوبي قد عادت إلى طبيعتها في الخريف، ومؤخرا لم يتعد عدد الوفيات حول
العالم 5000 شخص (حين صدور هذا الموضوع في نهاية نوفمبر ـ تشرين الثاني ـ
الماضي)، وهو رقم ضئيل.
2 ـ إصلاح الرعاية الصحية: إصلاح نظام الرعاية الصحية الأميركي، أحد أخبار هذا العام الصحية.
وهو يهدف، فيما يهدف، إلى تقليص عدد الأميركيين الذين لا يتمتعون بأية بوليصة تأمين صحية، البالغ عددهم 46 مليونا.
3 ـ شحوم جيدة وسيئة: المنازل الفاخرة تتحدد بمواقعها. وقد ينطبق الأمر نفسه في الواقع على شحوم الجسم، كما أن لون تلك الشحوم يلعب دوره أيضا.
إن شحوم الأحشاء visceral fat ـ التي توجد في منطقة وسط الجسم، أي البطن ـ
تؤدي إلى حدوث عوامل تحفز على ظهور الالتهابات واضطراب الهرمونات.
وبالمقارنة معها، فإن شحوم ما تحت الجلد subcutaneous fat تكون أخف منها من حيث تأثيراتها على التمثيل الغذائي.
وقد أشارت نتائج علمية نشرت عام 2009 إلى شحوم الأحشاء بوصفها مصدرا للمشكلات الصحية.
وأعادت دراسة فرمنجهام للقلب، مخزونات شحوم ما تحت الجلد إلى منزلتها، فقد
أفاد الباحثون فيها على سبيل المثال بأن شحوم الأحشاء وليس شحوم ما تحت
الجلد، هي التي ترتبط بتراكم كميات من الكالسيوم ـ وهو أحد مؤشرات حدوث
تصلب الشرايين ـ في الشريان الرئيسي في الجسم: الشريان الأورطي.
إن الخلايا الدهنية البيضاء تختزن الدهون، وغالبية الدهون المختزنة في جسم
الإنسان ـ سواء في شحوم الأحشاء أو شحوم ما تحت الجلد ـ هي من الدهون
البيضاء.
إلا أن هناك أيضا الخلايا الدهنية البنّية التي تقوم في الواقع بحرق الدهون.
ويملك المواليد الجدد هذه الدهون البنية لمساعدتهم في تنظيم حرارة الجسم،
وكان الاعتقاد السائد أن تلك الدهون تختفي بسرعة، إلا أن ثلاثا من
الدراسات المدهشة التي نشرت في مجلة «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن»
واستخدمت فيها تقنيات التصوير بحزم (أشعة) البوزيترون، أشارت إلى وجود
كميات من الشحوم البنية لدى البالغين في منطقة تمتد من الكتفين إلى
الدفتين.
كما أظهرت أنه كلما كانت كمية هذه الشحوم لدى أي شخص أكثر، كان رشيقا أكثر ولديه مؤشرات على أيض (تمثيل غذائي) صحي.
ويعكف الباحثون حاليا على دراسة كيفية زيادة الخلايا الدهنية البنية، ووسائل تنشيطها.
وتؤدي النتائج حول شحوم الأحشاء إلى تحويل الاهتمام نحو قياس طول الخصر لدى الإنسان بوصفه مقياسا للسمنة.
وهذا ليس بالأمر البسيط، إذ إن شحوم ما تحت الجلد تسهم أيضا في زيادة طول الخصر، خاصة لدى النساء.
ومع هذا تزداد التوجهات لتقييم نظام الحمية الغذائية والعادات الأخرى المتبعة لخفض الوزن، انطلاقا من تأثيراتها على طول الخصر.
4 ـ كبح علاقة الأطباء بالشركات: الشركات ـ خاصة المنتجة للأدوية ـ تنفق مليارات الدولارات سنويا للترويج والدعاية لمنتجاتها بين الأطباء.
وفي عام 2009 صدرت ضوابط وتنظيمات جديدة بهدف تقليل عدد الهدايا المتدفقة على الأطباء، ودعوات الغداء، والنفقات الأخرى.
وجاءت هذه الضوابط استجابة للانتقادات المتواترة حول تضارب المصالح.
وغالبا ما يحدث أن تقود العلاقة بين الطبيب والشركات إلى تلويث العلاقة بين الطبيب ومرضاه.
وتحظر المستشفيات التعليمية الكبرى، ومثلها المؤسسات الصحية التابعة
لجامعة هارفارد، على العاملين فيها قبول الهدايا أو دعوات الغداء أو
المشاركة في مجالس الخطابة.
وتقوم مؤسسات أخرى بوضع الضوابط نفسها، التي ينتظر أن تدخل في لائحة إصلاح نظام الرعاية الصحية في صيغتها النهائية.
وفيما يعتبر تمويل الشركات مهما للأبحاث الطبية.
إلا أنه يجب أن يتسم بالشفافية، وأن يكون معروفا ومكشوفا لجميع الأطراف.
5 ـ بديل لدواء «وارفرين»:
الملايين من الناس يعتمدون على دواء «وارفرين» warfarin («كاومادين»
Coumadin)، خصوصا منهم المصابين بالرجفان (الاختلاج) الأذيني atrial
fibrillation وهو اضطراب شائع في إيقاع القلب.
ويمنع هذا العقار فيتامين «كيه» K، وبهذا فإنه يخفض من خطر حدوث خثرات
الدم، ويقود أيضا إلى تقليل احتمالات حدوث السكتة الدماغية والأمراض
الأخرى المهددة للحياة.
إلا أن مفعول «وارفرين» يتداخل مع عمل عشرات من الأدوية والأعشاب
والأغذية، ولذا فإن تناوله يتطلب إجراء العديد من تحاليل الدم للتأكد من
أن تخثر الدم يجري في نطاق آمن.
وقد تقبل المرضى والأطباء هذه النقائص لانتفاء وجود بديل جيد له. لكن عام
2009 شهد قدوم البديل. فدواء «دابيجاتران» dabigatran الذي تمت إجازته في
أوروبا لاستعمالات محدودة، يؤثر مباشرة على «الثرومبين» thrombin وهو أحد
العناصر الرئيسية التي تلعب دورها في تشكيل خثرات الدم.
ولهذا فلا توجد حاجة إلى مراقبة الدم وتحليله.
كما أنه وبسبب الطريقة التي يتم فيها امتصاص الدواء، فإنه لا توجد أي تداخلات مثيرة للقلق لمفعوله.
وقد نظمت دراسة كبرى رعتها الشركات المعنية (شملت 18 ألفا من المصابين
بالرجفان الأذيني في 44 دولة) قبل عدة أعوام بهدف اختبار جرعتين مختلفتين
من دواء «دابيجاتران» (110 مليغرامات و150 مليغراما) ومقارنتها بجرعة دواء
«وارفرين»، وأظهرت النتائج تكافؤ الأول مع الثاني.
وفي الجرعة الأصغر كان الدواء فعالا أيضا في درء السكتة الدماغية، كما سبب عددا أقل من حالات النزف، مقارنة بدواء «وارفرين».
أما الجرعة الأكبر فقد كانت أكثر فاعلية من «وارفرين» في درء السكتة الدماغية، وتسببت في عدد حالات النزف نفسها.
إلا أن الأنباء لم تكن طيبة كلها؛ فالنوبات القلبية والأعراض الجانبية في
الجهاز الهضمي كانت أكثر شيوعا لدى متناولي «دابيغاتران» مقارنة بمتناولي
«وارفرين».
ويتوقع أن تقوم إدارة الغذاء والدواء الأميركية بإجازة «دابيغاتران» عام
2010، إلا أنه سيكون أكثر تكلفة من «وارفرين»، لكن تحاليل الدم لن تكون
مطلوبة، وبذا تقل النفقات عليها. ومع ذلك فقد يكون من الأفضل للأشخاص
الذين لا يحتاجون لإجراء تحاليل الدم بشكل متكرر، الاستمرار في تناول
«وارفرين».
إلا أن سهولة وفاعلية «دابيغاتران» سيمثلان، على الأكثر، أهم مزاياه لكثير من المرضى.
6 ـ «صغائر عظمى»: إن «آر إن
إيه» المراسل RNA messenger، يقرأ الحمض النووي المنقوص الأكسجين «دي إن
إيه» DNA في جينات الإنسان، ثم يوظف رموزها في تشكيل البروتينات، وهي
أحجار الأساس لكل أشكال الحياة.
وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي اكتشف الباحثون أجزاء صغيرة من حمض
«آر إن إيه» ـ حمض «آر إن إيه» RNA هو أحد الأحماض النووية ـ التي تعرف
الآن باسم «آر إن إيه الميكروي» microRNA. وتلتحق هذه الأجزاء بالمراسل
وتقوم بتعطيله. وبهذا لا يمكن صنع البروتينات.
ويلعب «آر إن إيه الميكروي» دورا مهما الآن في مساعدة أطباء علاج السرطان
في وضع تشخيصات وتصورات أكثر دقة، وبالتالي اختيار علاج أكثر فاعلية.
وعلى سبيل المثال أفاد باحثون عام 2009 بأن المصابين بسرطان الكبد الذين
وجدت لديهم أورام فيها مستويات أقل من نوع معين من «آر إن إيه الميكروي»
يسمى miR ـ 26 تكون التوقعات لديهم أسوأ بكثير من غيرهم، إلا أنهم
يستجيبون بشكل أفضل لنوع واحد من العلاج.
كما قدمت أبحاث أخرى نتائج واعدة لعلاج حالات الضمور البقعي في العين
macular degeneration، وعدوى فيروس الجهاز التنفسي المخلوي respiratory
syncytial virus على الإنسان، إضافة إلى نجاح توظيف «آر إن إيه الميكروي»
على الفئران.
وأظهرت دراسة على الفئران أن تجهيز خلايا الكبد السرطانية بـmiR ـ 26 أدت إلى قيامها بعملها كما لو كانت خلايا طبيعية.
وأظهرت دراسة أخرى على الفئران أن إرسال «آر إن إيه الميكروي» من نوع آخر
نحو خلايا الثدي السرطانية منعها من الانتشار نحو أجزاء الجسم الأخرى.
وبالمقارنة مع الأدوية، فإن إنتاج «آر إن إيه الميكروي» سهل ورخيص.
وبالنسبة للسرطان فإن هذا سيعني أن العلاج سيكون موجها لمكافحة جذور
المرض، أي الجينات المتحورة التي تنتج بروتينات منفلتة.
كما أن الباحثين يبنون الآمال على أن العلاجات الطبية بـ«آر أن إيه
الميكروي» ستؤدي إلى توجيهه الدقيق نحو المنطقة المتضررة بحيث لا تتأثر به
إلا الخلايا المريضة.
إلا أن هناك مزيجا من التشاؤم في وسط جو التفاؤل هذا، فأبحاث «آر إن إيه
الميكروي» لا تزال في بداياتها ويلزمها وقت طويل قبل أن تنضج لتتحول إلى
علاجات سريرية.
كما أن السموم يمكن أن تكون عقبة كبرى أمام العلاج بـ«آر إن إيه
الميكروي»، وذلك إن حدث وتداخل «آر إن إيه الميكروي» بالصدفة مع عمل «آر
إن إيه» المراسل، في زمن أو موضع يجب ألا يتداخل معه.
7 ـ مستويات سكر الدم:
مستويات سكر الدم العالية ليست مشكلة للمصابين بمرض السكري وحدهم. فارتفاع
مستوى سكر الدم يرتبط بأسوأ الحالات للمصابين بالنوبات القلبية والسكتات
الدماغية، وفي الواقع أيضا لمختلف أنواع المرضى في المستشفيات.
وقد نشر باحثون بلجيكيون قبل عدة أعوام نتائج دراسات أظهرت أن أكثر المرضى
مرضًا ـ المرضى الموجودون في غرف الإنعاش في المستشفيات ـ كانوا أفضل حالا
إذا كانت مستويات سكر الدم قد ضبطت لديهم بشكل صارم.
وأحدثت تلك الدراسة تأثيرا قويا جزئيا، لأنها كانت تتطابق مع الحكمة السائدة حول مشكلة السكر في الدم.
ولذا فقد تمت مراجعة الإرشادات، وبهذا أصبح الضبط الصارم لسكر الدم مع حقن
الأنسولين في الوريد من أولويات العمل في غرف الإنعاش في كل أنحاء البلاد.
إلا أنه يبدو الآن أن من الواجب مراجعة تلك الإرشادات مرة أخرى. فقد أظهرت
دراسة عشوائية كبرى (أطلق عليها اسم محبب هو «تجربة السكر ـ اللطيف» NICE
ـ SUGAR trial) أن معدل الوفيات للمرضى الذين خضعوا لضبط صارم لسكر الدم،
كان أعلى من معدل وفيات المرضى الذين تم ضبط مستويات سكر الدم لديهم
تقليديا.
وبلغ الفرق بين هذين المعدلين 2.6 في المائة (27.5 في المائة مقابل 24.9
في المائة)، وعلى الرغم من أنه لا يبدو كبيرا، فإن عدد المتوفين الكلي كان
كبيرا نظرا لأعداد المرضى الكثيرة.
ولا تحوم الشكوك حول الحكمة من الضبط الصارم لمستوى سكر الدم بين مرضى غرف
الإنعاش فقط، فقد افترضت قائمة 10 أخبار صحية كبرى لعام 2008، أن الأشخاص
المصابين بالسكري قد يتعرضون للضرر، بدلا من المساعدة، عندما يطلب منهم
تحقيق أهداف طموحة جدا لتنظيم سكر الدم (تحقيق هدف HbA1c أقل من 6 في
المائة)، وهو اختبار الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي glycosylated hemoglobin
الذي يرمز له أحيانا بـ«Hemoglobin A1c».
إن الصرامة الزائدة في ضبط مستوى السكر في الدم داخل غرفة الإنعاش ربما تكون ضارة لعدد من الأسباب.
فالمستويات المتدنية تؤدي إلى حوادث لهبوط حاد في سكر الدم، أو إلى نقص
خطير في سكر الدم الذي سيقود إلى أحداث متتالية تؤدي إلى الموت.
كما أن الأنسولين الذي يوظف لتقليل سكر الدم له تأثيرات سلبية. وضبط سكر
الدم لا يقود إلى اختفاء السكر، فهو يذهب إلى الخلايا. وزيادة السكر فيها
قد يؤدي إلى اضطراب وظائفها العادية مما يؤثر على القلب والأعضاء الحيوية
الأخرى في الجسم.
والأطباء لن يتخلوا تماما عن سبل ضبط مستوى سكر الدم لدى المرضى في غرف
الإنعاش، إلا أنهم يدققون الآن في الوصول إلى «منطقة حلوة» تقع بين الضبط
الصارم وبين الضبط المرتخي للسكر.
8 ـ دخول «سي ـ رياكتيف» : في
وقت متأخر من عام 2008 أظهرت تجارب «JUPITER» التي مولتها الشركات أن
الأشخاص الذين يوجد لديهم مستويات اعتيادية من الكولسترول منخفض الكثافة
(الضار) LDL (أقل من 130 مليغراما/ ديسيلتر) ولكن لديهم مستويات مرتفعة من
«بروتين سي ـ رياكتيف» C ـ reactive protein ((CRP ـ (2 ملغم/دل أو أكثر)
ـ يمكنهم خفض خطر تعرضهم لنوبة قلبية إلى النصف بتناولهم لجرعة عالية (20
ملغم) من دواء قوي من أدوية الستاتين وهو «روزفاستاتين» rosuvastatin
(«كريستور» Crestor).
إن «بروتين سي ـ رياكتيف» هو مادة كيميائية توجد في الدم وتعتبر مؤشرا
جيدا على وجود الالتهاب. أما أدوية الستاتين فيتم تناولها أساسا لخفض
مستويات الكولسترول منخفض الكثافة LDL (الضار)، إلا أن نتيجة التجارب كانت
برهانا على أن هذه الأدوية تقوم أيضا بتخفيف الالتهابات.
وأدى نشر نتائج الجولة الأولى من تجارب «JUPITER» إلى ضجة كبرى، إلا أنها
فسحت المجال أيضا أمام إجراء مناقشات حول الكيفية التي ستقوم بها اختبارات
«بروتين سي ـ رياكتيف» ووسائل تقليل مستوياته، في عمليات الرعاية الصحية
لمرضى القلب والأوعية الدموية.
وقد ساعدت التحليلات الإضافية لتجارب «JUPITER» التي نشرت في مجلة
«لانسيت» في توضيح الأمور، فقد ظهر أن المشاركين في الدراسة الذين وصل
الكولسترول منخفض الكثافة لديهم إلى أقل مستوياته (أقل من 70 ملغم/دل) قد
قللوا من خطر التعرض إلى «حوادث» القلب والأوعية الدموية (النوبة القلبية،
والسكتة الدماغية، وما شابههما) بنسبة 55 في المائة.
إلا أن المشاركين الآخرين الذين كان هذا الكولسترول لديهم أقل من 70
ملغم/دل وكان مستوى «بروتين سي ـ رياكتيف» أقل من 2 ملغم/دل، قللوا من
«حوادث» القلب والأوعية الدموية بنسبة 65 في المائة، كما أن الذين خفضوا
«بروتين سي ـ رياكتيف» إلى مستوى يقل عن 1 ملغم/دل قللوا تلك «الحوادث»
بنسبة 79 في المائة.
وتضيف نتائج تجارب «JUPITER» أدلة إلى الدلائل التي أشارت إلى أن أمراض القلب والأوعية الدموية ناجمة في الأساس عن الالتهابات.
وعلى الرغم من أن الإرشادات الرسمية الخاصة بمستويات الكولسترول المنخفض
الكثافة LDL لم تتغير، فإن كثيرا من الأطباء يتوجهون لطلب إجراء اختبار
لمستوى «بروتين سي ـ رياكتيف» لمرضاهم حتى ولو كانت مستويات الكولسترول
الضار لديهم اعتيادية.
وإن أظهرت الاختبارات أن مستوى «بروتين سي ـ رياكتيف» عال، فإن بمقدورهم منح مرضاهم وصفة من أدوية الستاتين القوية.
9 ـ فحوصات رصد السرطان: ظهرت شكوك جديدة حول الحكمة من إجراء فحوصات الرصد الأولية التي تجرى حاليا لرصد سرطانات الثدي والبروستاتا.
وقد توصل تحليل استفزازي نشر في المجلة الطبية الأميركية إلى استنتاج
مفاده أن التصوير الشعاعي للثدي (الماموجرافي mammography) لرصد السرطان
فيه وفحوصات اختبار «مولد المضادات الخاص بالبروستاتا» prostate ـ
specific antigen (PSA) لرصد السرطان فيها، على مدى الـ20 سنة الماضية قد
أدت إلى رصد وعلاج الكثير من حالات السرطان التي كانت ذات مخاطر صغيرة،
وفي الوقت نفسه لم تنجح إلا في تحقيق خفض ضئيل في أعداد الحالات السرطانية
المتقدمة.
كما كانت نتائج دراستين أخريين نشرتا مطلع هذا العام، ملتبسة أيضا.
إن منطق فحوصات الرصد الأولي للسرطان واضح؛ اكشفه مبكرا عندما يكون أكثر تقبلا للعلاج.
وتظل جمعية السرطان الأميركية مصرة على توصياتها: على النساء في سن
الأربعين فأكثر، الخضوع لفحص شعاعي للثدي سنويا، كما أن على الرجال مناقشة
مزايا ونقائص فحوصات البروستاتا مع الأطباء.
10 ـ عدوى السمنة: تشير جملة
من الدراسات إلى أن أحد أسباب ازدياد الوزن، إضافة إلى حدوث مشكلات صحية
أخرى، يرتبط بالسلوك «المعدي» من قبل الآخرين، أي إنه له بعد اجتماعي.
وتضم الشبكة الاجتماعية أخطبوطا من العلاقات تشمل الأقارب والأصدقاء
وأقاربهم وأصدقاءهم.
وقد أظهرت دراسة أجراها نيكولاس كريستاكيس الباحث بجامعة هارفارد وجيمس
فاولر الباحث بجامعة كاليفورنيا أن السعادة تنتشر عبر العلاقات
الاجتماعية.
كما أظهرت دراسة لهما حول السمنة أن الصديق السمين لصديقك، مثلا، قد يزيد من احتمال تحولك إلى شخص سمين!